من إعجاز القرآن الكريم والسنة المطهرة في الطب الوقائي

 

 الطب الوقائي الحديث هو العلم المتعلق بالوقاية من الأمراض الجرثومية والعضوية والنفسية للفرد والمجتمع فالكائنات الدقيقة هي المسبب للأمراض الجرثومية وهي تعتبر أمة من الكائنات الحية التي لا ترى أعيننا معظمها وتوجد في كل مكان في الهواء والماء والتربة وعلى أجسامنا وفي أفواهنا وأمعائنا بل وأحيانا في الطعام الذي نأكله وبعضها مفيد وبعضها ضار وتتكون من عائلات وأجناس وأنواع متباينة وعديدة وتتفاوت في الصغر فأصغرها الفيروسات يليها الميكروبات ثم الفطريات ثم الطفيليات الأولية فالديدان المتطفلة بأنواعها المختلفة وأخيراً الحشرات المفصلية المتطفلة وهناك ثلاث مخازن أو مصادر وهي الإنسان والحيوان والبيئة (التربة والماء) ولقد حرصت نصوص الشريعة أن تستأصل هذه الكائنات من مخازنها وتحول بينها وبين إلحاق الضرر بالإنسان فأرست قاعدة النظافة واليدين والذراعين ومسح الرأس والأذنين وغسل القدمين وغسل الفم والأنف خمس مرات في اليوم وفي كل مرة يغسل العضو ثلاث مرات قال تعالى :{يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا .. }

المضمضة: إن مضمضة الفم بالماء ثلاث مرات تخلصه من عدد هائل من الكائنات الدقيقة حيث تستقر فيه أعداد وأنواع كثيرة منها تزيد على ثلاثمائة مستعمرة ويتراوح عدد الجراثيم في اللعاب حوالي مائة مليون جرثومة/ مم كما توجد بعض الفطريات والطفيليات الأولية بأعداد هائلة وهي تتغذى على بقايا الطعام بين الأسنان وينتج من نموها وتكاثرها أحماض وإفرازات كثيرة تؤثر على الفم ورائحته وعلى لون الأسنان وأدائها والمضمضة بالماء ثلاث مرات في خمسة أوقات من اليوم تخلص الفم من عدد هائل من هذه الكائنات وسمومها

 السواك : كما نشعر بعظمة أمر النبي لنا بالتسوك [تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض على وعلى أمتي ( رواه بن ماجة، الطهارة باب 7 وكان النبي لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك وحث النبي أمته على دوام استعمال السواك في قوله عليه الصلاة والسلام: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ( رواه مسلم النووي) وكان رسول الله  كما ثبت في الصحيحين إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك كما أن النبي حـضّ ورغّـب على السواك وملازمته حتى أثناء الصيام وذلك لما فيه من الفوائد العظيمة للفم والأسنان ومن هذه الفوائد ما يلي

 1- القضاء على الجراثيم وثبت بالبحث أنه يقضي على خمسة أنواع على الأقل من الجراثيم الممرضة والموجودة بالفم أهمها البكتريا السبحية والتي تسبب بعض أنواع الحمي الروماتزمية

 2- جرف الفضلات وإزالة القلح وتلميع الأسنان

 3- تطهير الفم بقتل الجراثيم ومعالجة جروح اللثة والتهاباتها

 4- منع نمو الجراثيم بزيادة حموضة الفم مما يقلل فرصة نمو هذه الجراثيم الموجودة بأعداد هائلة

 5- يزيل اللويحة الجرثومية قبل عتوها وتأثيرها على الأنسجة

 6- يقي أمراض الفم والأسنان

 7- كما ثبت أن له تأثيرا مهبطاً للسكر وتأثيراً مضاداً للسرطان

 الإستنشاق والإستنثار: استنشاق واستنثار الماء من الأنف له فوائد طبية كثيرة أهمها: أنه يزيل المفرزات المتراكمة في جوف الأنف والغبار اللاصق على غشائه المخاطي كغبار المنزل والطلع وبعض بذور الفطريات والعفنيات المتناثره في الهواء ويرطب جوف الأنف للمحافظة على حيوية الأغشية المخاطية داخله كما أنه يزيل الكائنات الدقيقة التي تعلق في جوف الأنف وتستقر به ولقد أثبتت الدراسات والبحوث التي أجريت لغرض معرفة تأثير الوضوء على صحة الأنف-أن أنوف من لا يصلون تعيش بها مستعمرات جرثومية عديدة وبكميات كبيرة من الجراثيم العنقودية والمكورات الرئوية والمزدوجة والدفترويد والبروتيوس والكلبسيلا وأن أنوف المتوضئين ليس بها أي مستعمرات من الجراثيم وفي عدد قليل منهم وجد قدر ضئيل من الجراثيم ما لبثت أن اختفت بعد تعليمهم الاستنشاق الصحيح. كما أن نسبة التخلص من الجراثيم الموجودة بالأنف تزداد بعدد مرات الاستنشاق وأنه بعد المرة الثالثة يصبح الأنف خاليا تماما منها لذا فقد وصى النبي  بالمبالغة في الاستنشاق وتكراره ثلاثاً ليتم بهذا القضاء على مخزن من مخازن الكائنات الدقيقة في هذا المكان المهم والحيوي إذ هو المدخل للجهاز التنفسي

 2- الغسل : كما شرع الإسلام غسل جميع البدن على وجه الإلزام وندب إليه  بل حدد الفترة الزمنية التي لا يمكن تجاوزها بغير غسل فقال عليه الصلاة والسلام: [حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده رواه الشيخان واللفظ لمسلم وهذا يحقق غاية الكمال في نظافة الجسم كله ويزيل عدد هائلا من الكائنات الدقيقة التي تعيش على جلد الإنسان تذكر المراجع الطبية أن الجلد يعتبر مخزنا لنسبة عالية من البكتريا والفطريات ويكثر معظمها على البشرة وجذور الشعر ويتراوح عددها من عشرة آلاف إلى مائة ألف جرثومة على كل سنتمتر مربع من الجلد الطبيعي وفي المناطق المكشوفة منه يتراوح العدد بين مليون إلى خمسة ملايين جرثومة/سم2 كما ترتفع هذه النسبة في الأماكن الرطبة مثل : المنطقة الإربية وتحت الإبط إلى عشرة ملايين جرثومة/سم2 وهذه الجراثيم في تكاثر مستمر والغسل والوضوء خير مزيل لهذه الكائنات إذ ينظف الغسل جميع جلد الإنسان كما جاء في غسل النبي  أنه يروى بشرته ثم يفيض الماء على سائر جسده وينظف الوضوء الأجزاء المكشوفة منه وهي الأكثر تلوثا بالجراثيم لذا كان تكرارغسلها أمرا مهما وقد أثبتت عدة دراسات قام بها علماء متخصصون أن الاستحمام يزيل عن جسم الإنسان 90% من هذه الكائنات أي بأكثر من مأتي مليون جرثومة في المرة الواحدة وهذه الجراثيم تلتصق بالجلد بواسطة أهداب قوية عديدة لذا أمر الشارع بتدليك الجلد في الوضوء والغسل

 3- سنن الفطرة ونظافة الفرد: إن سنن الفطرة التي أوصى بها النبي لتمثل أساس نظافة الفرد روى الإمام مسلم أن رسول الله قال: عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم (عقد الأصابع) ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء (الاستنجاء) قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة رواه مسلم لقد كشفت لنا البحوث الطبية الأهمية الصحية البالغة لتطبيق هذه الخصال وما يترتب على إهمالها من أضرار فترك الأظفار مجلبة للمرض حيث تتجمع تحتها ملايين الجراثيم وقد فصل ذلك المختصون وترك شعر العانة هو المسئول عن مرض تقمل العانة المنتشر بكثرة في أوربا والذي يؤدي إلى تقرحات والتهابات في هذه المنطقة وأما الختان فقد أثبتت الأبحاث أن غير المختونين يصابون بمعدل أكبر بأمراض المسالك البولية بسبب عدد من الجراثيم كما ازدادت نسبة الصديد والبكتريا لديهم في البول كما ثبتت العلاقة بين سرطان عنق الرحم وبين عدم اختتان الرجال وغسل البراجم (عقد الأصابع) يزيل المستعمرات الجرثومية التي تتخذ من ثنيات الجلد في هذه الأماكن كهوفا وأخاديد لها ونتف الإبط ينظف هذا المكان المختبئ من الجلد الذي تتجمع فيه الأوساخ وتنمو فيه الجراثيم وخصوصاً الفطرية منها كما أن بعض الجراثيم تهوى العيش على مادة الشعر نفسها في هذه الأماكن

 4- نظافة السبيلين واجتناب النجاسات: لقد أكد الإسلام على الطهارة وجعلها شرطاً لصحة الصلاة التي تتكرر في اليوم خمس مرات وأولى خطوات هذه الطهارة نظافة السبيلين اللذين منهما تخرج نفايات الجسد التي تحتوي على قدر هائل من الكائنات الدقيقة والسموم الضارة وسماها الشارع نجاسات وأمر بغسل الدبر والقبل بالماء ليزيل أي أثر منها يمكن أن يعلق بالجسد أو بالثياب ولك أن تنظر في حديث النبي  الذي أخبر فيه عن رجل يعذب في قبره لأنه كان لا يتنزه من بوله ويترك عدة قطرات منه تعلق بثيابه لتدرك شدة الاهتمام بنظافة هذا المكان والتخلص من هذه النفايات الضارة وما فيها من أعداد كثيرة من الجراثيم لذلك أمر الشارع باجتناب الملابس والأماكن الملوثة بهذه النفايات أو النجاسات وعدم ملامستها حتى تطهر واعتبر ذلك عبادة وقد وجد أن إهمال نظافة الشرج والأعضاء التناسلية قد يكون سبباً في إصابتها بمرض السرطان ولقد بدأ الغرب في مطلع النصف الثاني من هذا القرن يطبق بعض هذه السنن لما وجد فيها من فوائد صحية وجعل يدعو إلى ذلك لما ثبت لديه من فائدة الاستنجاء الوقائية من الأمراض حيث أثبتت إحدى الدراسات في كلية الطب جامعة مانشيستر أن البكتريا تنفذ من ثماني طبقات من ورق التواليت إلى اليد وتلوثها أثناء عملية التخلص من بقايا البراز وقد ندرك حجم الخطر إذا علمنا أن الجرام الواحد من البراز في الشخص السليم يحتوي على مائة ألف مليون جرثومة وفي المريض بمرض التيفويد قد يحتوي الجرام الواحد خمسة وأربعين مليوناً من بكتريا التيفويد أما في مريض الدزنتاريا أو الكوليرا فمن المستحيل إحصاء أعداد الجراثيم لكثرتها الهائلة وبهذه التدابير المحكمة في تحقيق نظافة مداخل ومخارج وجلد الإنسان وملابسه وأماكن جلوسه ونومه وصلاته يتوقى من أخطار الكائنات الدقيقة وسمومها الضارة والتي يمكن أن تكون سبباً في مرضه أو هلاكه هذا فضلاً عن الفوائد النفسية للطهارة التي تكون أثراً وانعكاساً لها لكونها عبادة لله الخالق العظيم وتعود بالنفع على جهاز المناعة فتقويه وتزداد لديه المقاومة لكثير من الأمراض والعلل التي تهدد حياة الإنسان وجه الإعجاز إن علم الطب الوقائي لم يتبلور ولم يظهر للوجود إلا بعد اكتشاف علم الكائنات الدقيقة بأنواعها وخواصها المختلفة وبعد التقدم العلمي والتقني الهائل في معرفة مسببات الأمراض والذي لم يحدث إلا في هذا القرن أما قبل ذلك فكان الناس فريقين مسلمين وغير مسلمين فالمسلمون لديهم نظام دقيق في الطب الوقائي هو جزء من دينهم يتعبدون الله به وينفذونه في سهولة ويسر وأما غيرهم فهذه شهادة علمائهم عليهم وصفت العالمة الألمانية ( زيفريد هونكه) في كتابها المسمى شمس الشرق تشرق على الغرب انطباع (الطرطوسي) من زيارته لبلاد الإفرنج في تلك الآونة وكيف كان وهو المسلم الذي يتوضأ قبل كل فرض من فروض الصلاة الخمسة يستنكر حال القذارة التي كان يحياها الشعب الأوربي وأبدى دهشته من أنهم لا يغتسلون إلا مرة أو مرتين كل عام وبالماء البارد أما ملابسهم فلا يغسلونها بعد أن يلبسوها كي لا تتمزق ثم بينت الباحثة الألمانية تأثر المجتمعات الأوربية بعد ذلك شيئاً فشيئاً بالعادات الإسلامية الحميدة بعد أن اتضحت فوائدها ومنها إقامة الحمامات الخاصة والعامة ولقد كان البريطانيون يعتبرون أن الغسل مضر بالصحة حتى أنه قد يؤدي إلى الموت والهلاك وإنه كان من العيب والعار أن يبنى حمام داخل بيت أمريكي حتى إن أول حمام مجهز بمغطس بني في البيت الأبيض كان عام 1851م ولقد أثار في حينه ضجة لأنه اعتبر عملاً مشيناً في ذلك الوقت وفي فرنسا كان قصر فرساي الشهير على رحابته خالياً من حمام واحد لقد استعمرت بريطانيا جزر الساندويش وأرغمت سكانها المسلمين بالقمع والإغراء على أن يتحولوا إلى النصرانية ولكن كانت النتيجة كما ذكرها الطبيب البريطاني (برنارد شو) في كتابه حيرة الطبيب أن انتشرت بينهم الأمراض والأوبئة الفتاكة وعلل ذلك بتركهم لتعاليم الدين الإسلامي التي تقضي بالنظافة المطلقة في كل صغيرة وكبيرة إلى حد الأمر بقص الأظافر وتنظيف ما تحتها إن عالم الكائنات الدقيقة كان غيبياً في زمن النبوة وبعده حتى القرن الماضي لكن التوجيهات الإسلامية في الطهارة والوضوء والغسل والنظافة في المسكن والملبس وأماكن التجمعات والتوجيهات في المأكل والمشرب والسلوك الخلقي العام والخاص لتشير كلها بطريق أو بآخر إلى هذه العوالم الخفية وإلى مسببات الأمراض الأخرى التي تضعف البدن وتوهن الصحة وتصيب الجسم بالعلل والأمراض التي قد تودي به إلى الهلاك وهكذا أثبت العلم سبق القرآن الكريم والسنة النبوية في الإشارة إلى الكائنات الدقيقة وقدّم التشريع الإسلامي أنجح السبل في القضاء عليها وحماية الإنسان ووقايته من أخطارها ورأى العلماء بأعينهم صدق وحي الله لرسوله وتحقق قوله تعالى:{ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحكيم}(سبأ 6